رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بغضب على الانتقادات الدولية لقراره بإعادة إرسال القوات إلى قطاع غزة واحتلاله، مُصراً على أن إسرائيل تدافع عن نفسها كما ينبغي لأي دولة في العالم.

وجاء مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، ليكون تذكيراً في الوقت المناسب بالتهديد الذي يواجهه الإسرائيليون أينما كانوا.

وبعد أن نفذت حركة «حماس» واحدة من أفظع الهجمات في التاريخ، يوم 7 أكتوبر 2023، فإن أي دولة كانت لترد كما فعلت إسرائيل، بإرسال قوات لسحق الجناة واستعادة 250 رهينة كانت الحركة قد احتجزتهم. ولهذا السبب كان الدعم الذي تلقاه نتنياهو في ذلك الوقت غير مشروط، من شعبه ومن الحكومات الغربية على حد سواء.

لكن بعد عام وسبعة أشهر من هجوم 7 أكتوبر، أصبح من غير المعقول وصف التدمير المستمر لغزة بأنه حرب مبررة للدفاع عن النفس. فالمزيد من الحرب لن يؤدي إلا إلى إدامة دائرة العنف، التي صُممت عملية القضاء على «حماس» لإنهائها. ووفقاً لتقديرات أميركية قرب نهاية الإدارة السابقة، فإن «حماس» جنّدت عدداً من المقاتلين يعادل عدد الذين فقدتهم في القتال، ولا يوجد ما يشير إلى أن هذا الوضع قد تغيّر أو سيتغير مستقبلاً.

إن نتنياهو أسير لليمين المتطرف الذي يؤمن بـ«إسرائيل الكبرى»، وهو يشكّل تهديداً لمستقبل إسرائيل نفسها كدولة ديمقراطية تحترم سيادة القانون، أكثر من أي تهديد تشكله «حماس». لقد بذل رئيس الوزراء نفسُه قصارى جهده لتدمير المؤسسات المستقلة في إسرائيل قبل وقت طويل من هجوم «حماس». ومن الضروري التمييز بين مصالح نتنياهو والأقلية المتطرفة، التي يسعى إلى إرضائها، وبين مصالح الدولة الإسرائيلية وشعبها ككل. فالأول يلحق ضرراً دائماً بالثاني. لقد تحولت غزة إلى أنقاض.
ووفقاً لتقرير صادر يوم 11 مايو الجاري، قالت المصالح الصحية في القطاع إن ما يقارب 53 ألف فلسطيني قُتلوا في الحرب، منهم 44.6% رجالاً تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عاماً، وهي نسبة قد تشمل عدداً كبيراً غير معروف من مقاتلي «حماس». وتحليل دقيق للبيانات من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يشير إلى صعوبة التأكد من دقة هذه الأرقام، إذ قد تكون الأعداد الحقيقية أقل أو أكثر، لكن لا يوجد ما يبرر تجاهلها.

المهم هو أن عدد الضحايا المدنيين مرتفع جداً بالنسبة لحرب لا يزال نتنياهو لا يقدم فيها نهايةً سياسية أو أخلاقية مقبولة. لا يوجد سبب معقول لمواصلة المجازر أو لمنع دخول المساعدات الإنسانية، كما تفعل الحكومة الإسرائيلية. واللغة التي يستخدمها نتنياهو ووزير ماليته «بتسلئيل سموتريتش»، وبشكل علني عند الحديث عن أهدافهم في غزة، مثل «الاحتلال»، و«التطهير» و«الإخضاع».. إلخ، يجب أن تثير قلق أي شخص.

إن أياً من هذه الكلمات لا تعكس الدفاع عن النفس. وقد وصف إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، ما يحدث في غزة بأنه «أشبه بجريمة حرب». لكن التسميات أقل أهمية من الأثر الذي ستتركه إعادة إشعال الحرب على أكثر من مليوني مدني فلسطيني منهك، وعلى استقرار المنطقة بأكملها، وعلى إسرائيل نفسها. من الصعب تخيّل أن احتلال غزة على المدى الطويل يمكن أن يخدم مصلحة إسرائيل، فضلاً عن أن يكون مبرراً. كما أن نتنياهو وحكومته لا يحظون بدعم شعبي لأفعالهم.

ووفقاً لاستطلاع أجري بين يومي 7 و11 مايو الجاري من قبل شركة أبحاث السوق الإسرائيلية «آي بانيل»، فإن 69% من الإسرائيليين سيؤيدون مبادرة بقيادة دونالد ترامب لإنهاء الحرب، وإعادة الرهائن، والانفصال عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. ولم يعارض ذلك سوى أقل من 10% من المشاركين.

وفي استطلاع أجرته «آي بانيل»، لصالح القناة 12 الإسرائيلية الشهر الماضي، بمشاركة وكالة «ميجدام»، قال 61% من المشاركين إنهم يخشون على ديمقراطية البلاد، فيما قال 34% فقط إنهم لا يشعرون بذلك.

إن رئيس الولايات المتحدة مُحق في تهميش نتنياهو، والبحث عن صفقة إقليمية أوسع يريدها معظم الإسرائيليين، حتى وإن كانت خطته لإرسال سكان غزة الحاليين إلى المنفى وتحويل القطاع إلى «ريفييرا» فاخرة هي خطة غير مقبولة ومثيرة للاستغراب في آن واحد.

وبالمثل، فإن كندا وفرنسا والمملكة المتحدة، وجميعها من الحلفاء التقليديين لإسرائيل، كانت على صواب عندما دعت إلى إنهاء الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم 7 أكتوبر، رغم أن ذلك أثار غضب نتنياهو.

إن معظم الإسرائيليين (وخُمسهم من العرب أصلاً) لا يريدون المستقبلَ البديل الذي تمثله سياسات نتنياهو وسموتريتش، وهو مستقبل الحرب الدائمة. لقد جسّد هجوم حماس في 2023 الهمجية. ومثل ذلك أيضاً جريمة قتل «سارة ميلجريم» وخطيبها «يارون ليشينسكي» في واشنطن هذا الأسبوع، بغض النظر عن دوافع القاتل. لكن في عام 2025، لا يوجد أي شيء متحضر في الحرب المتجددة التي يخوضها نتنياهو في غزة.

 

مارك تشامبيون*

*كاتب متخصّص في شؤون أوروبا والشرق الأوسط

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»